واجهت معضلة التركيبة السكانية لأرض فلسطين منذ دخول المهاجرين
الصهاينة فلسطين قبل أكثر من قرن من الزمن تحديات كبيرة، فسعت
الحركة الصهيونية باستمرار إلى تغييرها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا
عبر إغراءات اليهود بالعودة الى أرض فلسطين التي يسمونها أرض
الميعاد (فلسطين)، وحاليا ومنذ عقود عبر برنامج غير قانوني عملت
الحركة الصهيونية على إقامة العديد من المستوطنات لتغيير التركيبة
السكانية واستضافة أكبر عدد ممكن من اليهود المنتشرين في شتى أنحاء
العالم، لتكون فلسطين وطناً لهم وبهذا أصبح للإرهاب دولة.
وقامت دولة إسرائيل في 15 مايو 1948م، واعترفت بها الأمم المتحدة
والعديد من الدول الغربية حتى جاءت معاهدة كامب ديفيد التي تم
التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 م بين الرئيس المصري الراحل محمد
أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيغن بعد 12 يوما
من المفاوضات في المنتجع الرئاسي الأمريكي "كامب ديفيد" في ولاية
ميريلاند القريب من العاصمة "واشنطن"، وتحت إشراف الرئيس الأمريكي
الأسبق جيمي كارتر، لتفتح الباب على مصراعيه أمام الدول العربية
للاعتراف بهذه الدولة.
وقبل تأسيس دولة إسرائيل بخمسين عام عمل مؤسسو الحركة الصهيونية
بكل جد ونشاط ومازالت الدعوات مستمرة ليهود العالم للعودة الى أرض
الميعاد (فلسطين)، وبدأ المهاجرون سواء كانوا من الغرب أو من الشرق
بالتوافد على الأراضي الفلسطينية ليجدوا موطئ قدم لهم وبنوا
المستوطنات ضمن مقاييس صهيونية لتوطين وتوظيف عشرات الآلاف من
اليهود دون أن تتحاكم إلى القيم أو تستند إلى الأعراف والقوانين
الدولية أو الشرائع السماوية.
وبدأت مرحلة جديدة لقمع أصحاب الأرض الأصليون الذين يناضلون من أجل
حريتهم ويجاهدون في سبيل الله لإعلاء كلمته والحفاظ على دينهم
وتحرير أراضيهم , وأصبحت هذه الدولة ظاهرة خطيرة لم تتكرر في
التاريخ ولم نعلم أن نظاماً آخر منذ خلق الله آدم وتكونت الأنظمة
حتى هذا اليوم أقدم على ما أقدم عليه هذا الكيان الغاصب في إسرائيل
ومن خلفها الصهيونية العالمية والدول الاستعمارية الغربية
واستعانوا بجميع الطرق والوسائل والأسلحة الفتاكة ضد الشعب
الفلسطيني الأعزل لقمعه ونهب ثرواته وتعذيبه في عمليات كانت سرية
في بداية الأمر ما لبثت أن أصبحت علنية وبمساندة دولية .
ارتكز المخططون الصهاينة على سياسة تغيير الوضع الديموغرافي
لفلسطين وهويتها الثقافية وهو ما أصطلح عليه ب "الترانسفير" ,
ليحافظوا على احتلال فلسطين إلى أمد غير معلوم دون إعطاء أي أهمية
للآثار السلبية الواسعة والمدمرة ليجعل من الفلسطينيين مجموعة
مجتمعات صغيرة أو كانتونات من جراء عمليات "الترانسفير" التي لم
تنته بعد حتى بانت سلبياتها فاتسعت نسبة البطالة والفقر وكثرت
الجرائم والسرقات ثم الحروب المتعاقبة الأمر الذي أدى الى هجرة
أبناء الوطن الأصليين (الفلسطينيين) , الى الدول العربية وباقي دول
العالم , مما أدى الى ارتفاع نسبة الأمية والفقر وتزايد الضغط على
خدمات الصحة والتعليم وغيرهما بين الفلسطينيين.
أما القادمون الجدد أصبحوا سكان دولة الإرهاب "إسرائيل" فكل شيء
متاح لهم وميسر حتى أصبحت دولة الإرهاب "إسرائيل" تضاهي دول العالم
المتحضر في البناء والتعمير والتصنيع وغيرها من وسائل الحضارة
الغربية واتسعت الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وانعدمت
الثقة وتشعّب المجتمع, وتشتت الشعب وهاجر معظم أبناء الوطن رغم
الاحتجاجات الشعبية والعالمية الواسعة على هذا العدوان , والرافضة
والناقدة للهجرة اليهودية الى فلسطين وتصرخ بصوت عال أوقفوا الهجرة
اليهودية الى فلسطين وأوقفوا الهجرة الفلسطينية من فلسطين الى شتى
أصقاع المعمورة أوقفوا "الترانسفير"
.
ولقد استمعنا إلى الآراء الشعبية والاحتجاجات المختلفة التي قام
بها المواطنون الفلسطينيون سواء كانوا أسرى أو جرحى أو لاجئين، دون
أن ينصفها أحد من العالم رغم ما تبثه الفضائيات من مجازر بحقهم
لإظهار الحقائق ولكن دون جدوى، وإيمانا منا بأهمية الموضوع ولنشارك
شعبنا همومه أردنا أن نبيّن الهجرة الصهيونية والهجرة الفلسطينية
لنوضح حقيقة "الترانسفير" منذ أن كانت فكرة الى يومنا الحاضر،
سائلين العلي القدير أن يوفقنا لما يحب ويرضى إنه نعم المولى ونعم
النصير.
د. مصطفى بن محمد غريب
|